نظرات في أصل الأحلام و تفسيرها

نظريات كيف يحدث العلم
بعض قواعد التفسير لأشهر المفسرين
أشهر كتب التفسير
تفسير الأحلام لأبن سيرين
تفسير الأحلام للنابلسي تعطير الأنام في تفسير الأحلام
الحكم و الغايات في تفسير المنامات لابن الدقاق
أشهر المفسرين : في الجهالية {كهان العرب  ، سطيح، طريفة الخبرمفسرة رؤية سد مارب، مفسرة رؤيا عبد المطلب جد النبي} في التراث الإسلامي : { محمد بن سيرين، أبو بكر الصديق و تفسير الرؤيا، هشام بن حسان، الكرماني
نوادر التفسير
ما يجب أن يتصف به طالب التأويل
ما يجب أن يتصف به المعبر 




أصل الحلم
إن الناس البسيط منهم و المتخصص في كل زمان و مكان يبحثون  في تفسير الحلم في فرعين أساسيين أولهما هي الفكرة الأساسية لكيفية حدوث الحلم لكل الناس و في كل وقت، و الفكرة الثانية هي تفسير حلم ما لشخص ما بذته، و خلاصة ما ورد في كل المصادر التى وقعنا عليها في أمر تفسير كيفية حدوث الحلم، أن بعض من قاموا بهذا الأمر قد يتبنون فكرة ما و يهملون باقي الفكر التى قد تشرح نفس الأمر، فالبعض يري أن الحلم هو عبارة عن تأثر بالأحداث اليومية التى تمر بالشخص في صحوه، و بالتالى يراها في نومه، و البعض يقول أن الحلم يأت كرسالة من قوى خارجية سواء كانت قوى خير أو شر و لكنه يأت من خارج الإنسان كرسالة يتلاقاه من الغيب، و البعض يقول أن الحلم ما هو إلا كيمياء تتغير داخل الإنسان نتيجة ما يأكله أو يشربه و بالتالى يرى الحلم.

و خلاصة القول أن التجربة العملية أو أن ما يصلنا من مصادر الكتب أو من تجارب البشر ذاتهم يثبت صحة كل ما قيل في هذا الباب، فالشخص ذاته بعينه قد يرى في ذات ليلة حلما متأثرا بما قد أكله من طعام فيرى أشياء تعكس ما يشعر به من أثر هذا الطعام، كرجل أكل شيء مالح و نام فيري في النوم أنه يشرب ماء أو أنه على حرف نهر جار، و هذا الشخص قد يكون له حلم في ليلة أخرى أو زمن آخر ينعكس عما مر به فيه يومه كأن يرى فيلم فيه الكثير من الصور فتستقر في نفسه فينام فيحلم بها، و قد يكون لنفس الشخص رؤية صادقة تحدث له كرسالة تأتيه من عالم الغيب، قد ينتفع بها أو قد تكون مجرد رسالة للتعريف بأمر في المستقبل و لا يمكنه منع ما سيقع.

و من هنا نخرج بملحوظة و هي أن من قالوا أيضا أن هناك قوى غيبية قد تكون سببا فيما يراه النائم، قالوا بأن ما يراه من خير، قد يكون نتيجة قوى خير تتسلط عليه، و أنه إذا رأى شيء قد تكون من الشيطان أو قوى الشر، بل و نجد أن هناك من يحاولون أن يستعينون بالجن في محاولة رؤية الغيب من خلال النوم. و فيم يلى نورد ما وصلنا له في المراجع و الكتب عن تفسير كيفية حدوث العلم.

شرح ما ورد في كتاب النابلسي عن أصل الحلم
قول الشيخ النابلسي في كيفية حدوث الأحلام:
قال بإبطال الرؤيا قوم ملحدين يقولون إن النائم يرى في منامه ما يغلب عليه من الطبائع الأربعة فإن غلبت عليه السوداء رأى الأحداث والسواد والأهوال والأفزاع وإن غلبت عليه الصفراء رأى النار والمصابيح والدم والمعصفرات وإن غلبت عليه البلغم رأى البيض والمياه والأنهار والأمواج وإن غلب عليه الدم رأى الشراب والرياحين والمعازف والمزامير[1]

وهذا الذي قالوه من أنواع الرؤيا وليست الرؤيا منحصرة فيه فإنا نعلم قطعاً أن منها ما يكون من غالب الطبائع كما ذكروا ومنها ما يكون من الشيطان ومنها ما يكون من حديث النفس[2]

و هنا نجد أن الشيخ النابلسي يؤيد ما ذهبنا إليه و هو القول بأن الأحلام قد تكون ناتجة عدة مصادر مختلفة، و ليس مصدرا واحدا. فالرؤيا قد تختلف بحسب طبيعة الإنسان كما قال البعض، و لكن الشيخ النابلسي أيضا يقول بأن الرؤيا ليست منحصرة في هذا الأمر، فهو يرجعها أيضا لما قد يكون من حديث النفس أو ما يكون من الشيطان.

قول النبي دانيا في كيفية حدوث الحلم:
و يورد لنا الشيخ النابلسي في كتابه تعطير الأنام في تفسير الأحلام ما نصه:
"وقال دانيال عليه السلام اسم الملك الموكل بالرؤيا صديقون ومن شحمة أذنه إلى عاتقه مسير سبعمائة عام فهو الذي يضرب الأمثال للآدميين فيريهم بضياء اللّه تعالى من علم غيبه في اللوح المحفوظ ما هو كائن من خير أو شر ولا يشتبه عليه شيء من ذلك ومثل هذا الملك كمثل الشمس إذا وقع نورها على شيء أبصرت ذلك الشيء به كذلك يعرفك هذا الملك بضياء اللّه تعالى معرفة كل شيء ويهديك ويعلمك ما يصيبك في دنياك وآخرتك من خير أو شر ويبشرك بخير قدمته أو تقدمه وينذرك بمعصية قد ارتكبتها أو تريد ارتكابها فإذا أراك رؤيا منذرة فإنها تخرج في وقت تراها لئلا تكون مغموماً وإذا أراك رؤيا حسنة فإنها تخرج بعد ذلك بأيام لتكون في نعمة وسرور وأصدق الرؤيا ما كان بالأسحار وأصدق الرؤيا بالنهار وقال جعفر الصادق رضي اللّه عنه أصدقها القيلولة"[3]

و هو هنا إذ يلمح لنا عظم و كبر حجم الملك الذى يقول بمسئوليته عن حدوث الأحلام، المبشرة و المنذرة، فالمسافة بين شحمة الأذن و العاتق تعد صغيرة جدا إذا ما قورنت بالمسافة بين منبت الشعر و أخمص القدم، و على هذا فهو يقول لنا أن هذا الملك كتصورنا عن الملائكة عموما هو خلق عظيم كبير، ثم يقول لنا أن هذا الملك ينقل لنا الرؤيا بعلم قد وصله من اللوح المحفوظ و هو يقول أن الملك مثل الضوء يقع على الشيء فنراه، و يقول أيضا أن الرؤية إذا كانت منذرة او محزنة أو فيها ما يقلق تخرج عادة في وقت قريب حتى لا يهتم الانسان وقت طويل بسبب تلك الرؤية، و أما الرؤيا السعيد فأنها قد تبقى ايام قبل تحققها و ذلك ليسعد الإنسان ببشرى الرؤيا بعض الوقت ثم تتحقق، و يحدد لنا وقت السحر أنه تحدث فيه غالبا الرؤيا الصادقة.

و بالرغم من صحة ما قاله النبي دانيال عن كيفية حدوث الرؤيا، إلا أن إجابته تأت لنوع ما من الرؤيا، و ربما لحالة معينة من البشر، وهم في الغالب من يتصفون بأنهم أهل خير، فتأت الرؤيا لهم على هيئة بشرى تقول لهم أن خيرا سيحدث بعد أيام، أو أن شرا قد يحدث، ونلاحظ هنا أن الرؤيا المحزنة ستتحقق بسرعة حتى لا يتعذب الفرد طويلا بسببها أو العكس أن الرؤيا الطيبة السعيدة قد تتأخر بعض الشيء ليسعد بها من رآها، و هذا الأمر كما نري فيه شفقة على من تحدث له الرؤيا، و لعل هذا ما يدفعنا بأن نقول أن من أشار لهم في موضوعه هم أناس طيبيبن لم تأت الرؤية بقصد تعذيبهم، و لكن هذا التوضيح لا يفسر لنا مثلا ما قد يراه بعض البشر من رؤيا شر و تتكرر عدة مرات و ربما لأزمان طويلة، أو ما يراه البعض بزوال ملكهم و يعيشون في قلق لسنين طويلة إلى أن يحدث ما أنبأت به الرؤيا، و لكن قد نقول أن الكلام قد ورد في الناس الطيبين و ترك للقارئ أن يستنتج العكس.

المعبرون و كيفية حدوث الرؤيا:
"وقال المعبرون من المسلمين الرؤيا يراها بالروح ويفهمها بالعقل ومستقر الروح نقطات دم في وسط القلب في رسوم الدماغ والروح معلق بالنفس فإذا نام الإنسان امتد روحه مثل السراج أو الشمس فيرى نور اللّه وضيائه تعالى ما يريه ملك الرؤيا وذهابه رجوعه إلى النفس مثل الشمس إذا غطاها السحاب الكثيف وانكشف عنها فإذا عادت الحواس باستيقاظها إلى أفعالها ذكر الروح ما أراه ملك الرؤيا وخيل له"[4]

ويؤكد لنا الشيخ النابلسي أن هناك من المعبرين من يرى أن الرؤية هي اتصال من الروح بعالم الغيب، و يفسر ذلك أن روح الإنسان إذا نام أمتد منه مثل الشعاع، فيرى بها ما شاء الله له أن يراه بواسطة الملك الموكل بالرؤيا، ثم تنقطع الرؤيا بذهاب هذا الشعاع و ذلك بعودته ثانية إلى الجسم عند الاستيقاظ، فعندما يستيقظ يتذكر ما رآه.

آراء أخرى:
وقال بعضهم: الرؤيا ثلاثة: رؤيا بشرى من اللّه تعالى وهي الرؤيا الصالحة التي وردت في الحديث ورؤيا تحذير من الشيطان ورؤيا مما يحدث به المرء نفسه[5]

فرؤيا تحذير الشيطان هي الباطلة التي لا اعتبار لها وفي الحديث الصحيح أن النبي صلى اللّه عليه وسلم أتاه رجل فقال: يا رسول اللّه رأيت كأن رأسي قطع وأنا أتبعه فقال: لا تتحدث بتلاعب الشيطان بك في المنام وأما الرؤيا التي من همة النفس فمثل أن يرى الإنسان مع من يحب قلبه أو يخاف من شيء فيراه أو يكون جائعاً فيرى أنه يأكل أو ممتلئاً فيرى أنه يتقايأ أو ينام في الشمس ويرى أنه في نار يحترق أو في أعضائه وجع ويرى أنه يعذب[6]

و قد وجدنا هذا منقول من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم الواردة في سنن ابن ماجة في باب تعبير الرؤيا و قد اوردنا الأحاديث هنا بأرقامها للتسهيل على من يود التثبت و التخريج
4039 حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا هوذة بن خليفة، حدثنا عوف، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي ـ ـ قال " الرؤيا ثلاث فبشرى من الله وحديث النفس وتخويف من الشيطان فإذا رأى أحدكم رؤيا تعجبه فليقصها إن شاء وإن رأى شيئا يكرهه فلا يقصه على أحد وليقم يصلي[7] ".
4040  حدثنا هشام بن عمار، حدثنا يحيى بن حمزة، حدثنا يزيد بن عبيدة، حدثني أبو عبيد الله، مسلم بن مشكم عن عوف بن مالك، عن رسول الله ـ ـ قال " إن الرؤيا ثلاث منها أهاويل من الشيطان ليحزن بها ابن آدم ومنها ما يهم به الرجل في يقظته فيراه في منامه ومنها جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة ". قال قلت له أنت سمعت هذا من رسول الله ـ ـ قال نعم أنا سمعته من رسول الله ـ ـ أنا سمعته من رسول الله[8]

2263 حدثنا محمد بن أبي عمر المكي حدثنا عبد الوهاب الثقفي عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي قال: إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا ورؤيا المسلم جزء من خمس وأربعين جزءا من النبوة والرؤيا ثلاثة فرؤيا الصالحة بشرى من الله ورؤيا تحزين من الشيطان ورؤيا مما يحدث المرء نفسه فإن رأى أحدكم ما يكره فليقم فليصل ولا يحدث بها الناس قال وأحب القيد وأكره الغل والقيد ثبات في الدين فلا أدري هو في الحديث أم قاله ابن سيرين[9]

2050أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ مَخْلَدِ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : الرُّؤْيَا ثَلَاثٌ فَالرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ بُشْرَى مِنَ اللَّهِ وَالرُّؤْيَا تَحْزِينٌ مِنَ الشَّيْطَانِ وَالرُّؤْيَا مِمَّا يُحَدِّثُ بِهِ الْإِنْسَانُ نَفْسَهُ فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُهُ فَلَا يُحَدِّثْ بِهِ وَلْيَقُمْ وَلْيُصَلِّ[10]


و نلحظ أن الشيخ النابلسي يؤكد أن الرؤيا قد يكون لها عدة مصادر، و يرى أن منها الباطل و هو ما كان مصدره الشيطان، و يري بناءا على أحاديث النبي صلى الله عليه و سلم الواردة أن على الإنسان ألا يحدث أحدا بتلك الرؤي التى يكون مصدرها تلاعب الشيطان به و هو نائم، و يشرح لنا أن هناك مصدر آخر و هو ما يشغل الإنسان و يحدث به نفسه في صحوه، فعندما ينام يراه، كرؤية الشخص المفتقد العزيز، أو رؤية اللحم و الطعام للجائع، أو رؤية ما قد يخشاه و يخاف منه أيضًا

أقسام الرؤيا الباطلة
والرؤيا الباطلة سبعة أقسام:
-الأول حديث النفس والهم والتمني والأضغاث
-والثاني الحلم الذي يوجب الغسل لا تفسير له
-والثالث تحذير من الشيطان وتخويف وتهويل ولا تضره
-والرابع ما يريه سحرة الجن والإنس فيتكلفون منها مثل ما يتكلفه الشيطان
-والخامس الباطلة التي يريها الشيطان ولا تعد من الرؤيا
-والسادس رؤيا تريها الطبائع إذا اختلفت وتكدرت
-والسابع الوجع وهو أن يرى صاحبها في زمن هو فيه وقد مضت منه عشرون سنة[11]
وأصح الرؤيا البشرى وإذا كان السكون والدعة واللباس الفاخر والأغذية الشهية الشافية صحت الرؤيا وقلت الأضغاث.
يورد لنا الشيخ النابلسي سبعة أقسام من الرؤيا الباطلة، و هي حديث النفس بما يهمها و ما تتمناه و خلط أمور ببعضها دون ترتيب أو معنى، فالنفس كما اسلفنا قد ترى ما تتمناه أو تفتقده فالفقير الذى أهمه فقره و بات محدثا نفسه بقلة المال و متمنيا الثراء يرى أنه يجمع الأموال، و الجائع أو العطشان يرى أنه يأكل و يشرب أشهى و اعذب ما يتمناه، و الأضغاث هي ما قد يراه النائم من أمور مختلطة عليه بسبب ما قد اختلط في تفكره في حال صحوه من أمور . و يقول أيضا الشيخ أن الحلم الذي يوجب الغسل هو من الاحلام الباطلة، فمني يرى في نومه أن يعاشر امرأة جميلة قد رأها في صحوه و تفكر بها، في الغالب لا تفسير لحلمه سوى انه اشتهاها في صحوه و انعكس ذلك في نومه، و لا يقبل أن يكون تفسير الحلم مثلا أنه سيتزوجها، و ثالث الأحلام الباطلة هو ما يأت من تهويل و تخويف الشيطان للإنسان من أمور قد لا تضره، و يدخل في نفس الأمر ما قد يراه الإنسان من أمور تهول عليه أمر ما و تخوفه و لكن يكون ذلك بفعل السحرة، و الخامس هو شيء من الحلم يكون بسبب الشيطان و لكنه ليس بالرؤيا، و سادس الأحلام الباطلة، هو ما تريه الطبائع للشخص، و هذا ما يتأثر به مما حوله و مما يأكله، و مما يكدر نفسه، و سابع الرؤيا الباطلة هو ما يتعلق بمرور الزمن.
ثم يورد لنا الشيخ النابلسي أن اصح الرؤي هو ما يحدث للشخص في حال نقاء النفس و الراحة و الشعور بالسكينة و المودة و لا يكون هناك ما ينعص عليه عيشه، و لا يخلط عليه أمره، فتأت الرؤيا خالية من الاختلاط و الاختلاف بين أمور شتى ملتبسة.
أقسام الرؤيا الحق :

يقول الشيخ النابلسي والرؤيا الحق خمسة أقسام :
-"الأول الرؤيا الصادقة الظاهرة وهي جزء من النبوة لقوله تعالى: {لقد صدق اللّه رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء اللّه آمنين} وذلك أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما سار إلى الحديبية رأى في المنام أنه دخل هو وأصحابه رضي اللّه عنهم مكة آمنين غير خائفين يطوفون بالبيت وينحرون ويحلقون رءوسهم ويقصرون فبشر صلى اللّه عليه وسلم في المنام بشارة من اللّه من غير صنع ملك الرؤيا ولا تفسير لها مثل رؤيا إبراهيم عليه السلام في المنام في ذبح ولده كما حكى اللّه تعالى عنه بقوله: {يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك}
وقال بعضهم: طوبى لمن رأى الرؤيا صريحاً لأن صريح الرؤيا لا يريه إلا الباري تعالى دون واسطة ملك الرؤيا" [12]

و نحن في هذا النص نجد أن الشيخ النابلسي يحدثنا عن أصدق الرؤى على الأطلاق و هي رؤى الأنبياء، و هي تلك الرؤيا التى تأتي صريحة واضحة، و لا تحتاج لتفسير أو تعبير، و نجده يؤكد لنا هنا أمرا هاما و هو أن الرؤيا الحق، تكون لخاصة الخاصة ممن يجتبيهم الله تعالى، لأنها تكون بلا واسطة من قبل الملك الموكل بالرؤيا بل تكون من الله تعالى مباشرة. و نلحظ أن الرؤيا الصادقة الواضحة تحدث لبشر من حولنا يتصفون بصفات بسيطة لكنها صعبة المراس، فالشخص الذى يرى الرؤيا الواضحة الحقة، يكون عادة شخص صادق، مسلم أمره كل التسليم لله، لا يشغل باله بزخرف الدنيا، يرى أن ما جاء من خير فهو أبتلاء عليه أن يصبر عليه، و أن ما جاء من مصيبة قد يكون في أصله خير لأنه من الممكن أن يصاب بمصيبة أكبر، و لذا فنجده يحمد الله عليى ما أصابه، و نلحظ أيضا أن من يتحري عدم غيبة الناس، و عدم إشاعة الفواحش، يرزقه الله دائما الرؤيا الصادقة.


-والثاني الرؤيا الصالحة بشرى من اللّه تعالى كما أن المكروهة زاجرة يزجرك اللّه بها قال صلى اللّه عليه وسلم: "خير ما يرى أحدكم في المنام أن يرى ربه أو نبيه أو يرى مسلمين".[13]

وهنا ينبهنا الشيخ النابلسي ان الرؤيا الصالحة قد تكون مبشرة أو منذرة، فالمبشرة تكون رؤيا طيبة تبشر بالخير، و الرؤيا المنذرة قد يكون فيها شيء مكروه و لكنها في أصلها نذير حتى يقلع الشخص عما يفعل من شر. و يورد لنا حديث عن النبي صلى الله عليه و سلم أن خير ما يراه المسلم أن يرى ربه، أو أن يرى النبي صلى الله عليه و سلم، أو أن يرى المسلمين بوجه عام.
و هنا نلحظ أن الرؤيا الصالحة أو المكروهة قد تكون من الله تعالى و هذا كما قلنا لابد ان يكون بصلاح حال الفرد مع ربه، حتى يستحق أن تصله رسالة مباشرة من رب العزة تبارك و تعالى. و إلا فيكون في القسم التالى.

-والثالث ما يريكه ملك الرؤيا واسمه صديقون على حسب ما علمه اللّه تعالى من نسخة أم الكتاب وألهمه من ضرب أمثال الحكمة لكل شيء من الأشياء مثلاً معلوماً[14]

كما قلنا ان القسم الثاني يوضح لنا الرؤية الصالحة الطيبة التى تبشر، و الرؤيا المنذرة، و لكن هذا يكون من الله تعالى مباشرة، و في القسم الثالث يظهر لنا دور ملك الرؤيا، و الذى اسمه صديقون، و نلحظ هنا أن اسمه متعلق بالصدق، و كأنه يشير لنا أننا كلما كنا متصفين بهذه الصفة كلما كنا على صلة مرتبة صالحة لتلقي الرسالة من هذا الملك، و هو هنا يوضح لنا أن علم هذا الملك هو من خلال ما ورد له من علم الله الذى أطلعه عليه في اللوح المحفوظ، بل و يلمح لنا أن هذا الملك لديه من الحكمة أن يضرب الأمثال و الحكم التى قد تحتاج لتعبير و تفسير.

-والرابع الرؤيا المرموزة وهي من الأرواح ومثالها أن إنساناً رأى في منامه ملكاً من الملائكة قال له إن امرأتك تريد أن تسقيك السم على يد صديقك فلان فعرض له من ذلك أن صديقه هذا زنى بامرأته وإنما دلت رؤياه على أن الزنا مستور كما أن السم مستور[15]
و في القسم الرابع من الرؤيا الحق ما يعزيه الشيخ لأرواح قد تكون ملائكة أو من الجن الصالحين، الذين يأتون للبشر في نومه ليطلعوه على أمر، ويقول أن الخبر الوارد من هذه الأرواح قد يكون على هيئة الرمز، ويضرب لنا مثلا برجل رأى من يخبره ان زوجته تود أن تضع له السم على يد صديقك، ففهم الرمز أن المرأة زنت مع الصديق، و الرمز هنا يتعلق بالستر، فالسم و الزنا كلاهما مستور. نعوذ بالله من كل سوء و نسأله أن يستر أعراض المسلمين أجمعين.

-"والخامس الرؤيا التي تصح بالشاهد ويغلب الشاهد عليها فيجعل الشر خيراً والخير شراً كمن يرى أنه يضرب الطنبور في المسجد فإنه يتوب إلى اللّه تعالى من الفحشاء والمنكر ويفشو ذكره وكمن رأى أنه يقرأ القرآن في الحمام أو يرقص فإنه يشتهر في أمر فاحش أو بِعَوَر لأن الحمام موضع كشف العورات ولا تدخله الملائكة كما أن الشيطان لا يدخل المسجد"[16]

و في هذا النوع الخامس نلحظ أنه لم يعزه إلى ملك أو روح، و هو هنا يكاد يخرج بنا عن قسم من اقسام الرؤيا حسب مصدرها إلى نوع من أنواع الرؤى حسب تفسيرها، ولكنه يضعه تحت ما يغلب الشاهد عليه، و خلاصة القول أنه يورد لنا أن هناك من الرؤي ما يكون فيه الرمز و به خلط بأمور أخرى تشير للمعبر الذى يعرف حال الشخص الذى رأى الرؤيا معرفة تساعده على الوصول إلى حقيقة هذا الرمز.


[1] تعطير الأنام فى تفسير الأحلام للنابلسي
[2] تعطير الأنام فى تفسير الأحلام للنابلسي
[3] تعطير الأنام فى تفسير الأحلام للنابلسي
[4] تعطير الأنام فى تفسير الأحلام للنابلسي
[5] تعطير الأنام فى تفسير الأحلام للنابلسي
[6] تعطير الأنام فى تفسير الأحلام للنابلسي
[7] سنن ابن ماجة – كتاب تعبير الرؤيا
[8] سنن ابن ماجة كتاب تعبير الرؤيا
[9] صحيح مسلم
[10] سنن الدارامي
[11] تعطير الأنام فى تفسير الأحلام للنابلسي
[12] تعطير الأنام فى تفسير الأحلام للنابلسي
[13] تعطير الأنام فى تفسير الأحلام للنابلسي
[14] تعطير الأنام فى تفسير الأحلام للنابلسي
[15] تعطير الأنام فى تفسير الأحلام للنابلسي
[16] تعطير الأنام فى تفسير الأحلام للنابلسي